الكاظمي في العراق: هل وصل الطّوفان إلى بغداد؟

الكاظمي في العراق: هل وصل الطّوفان إلى بغداد؟

image

الكاظمي في العراق: هل وصل الطّوفان إلى بغداد؟
لا تُعتبَرُ إيران اليوم في موقفٍ يُساعدها على فرضِ ما تُريد في بغداد

ابراهيم ريحان - اساس ميديا
ماذا وراء عودة رئيس الوزراء العراقيّ السّابق مصطفى الكاظمي إلى بغداد؟ هل يحملُ مشروعاً سياسيّاً؟ وهل لعودته ارتباطٌ بوصولِ “زلزال الشّرق الأوسط” الذي ضربَ لبنان وسوريا إلى أرضِ الرّافدَيْن؟

تبادرَت هذه الأسئلة إلى أذهان المُراقبين للمشهدِ العراقيّ بعد إعلان الوصولِ المُفاجئ لرئيس الوزراء السّابق إلى العاصمة العراقيّة، في توقيتٍ يشيرُ إلى أنّ العِراق على مشارِف تغييرٍ جذريّ في مشهدِه السّياسيّ.

الأمر الوحيدُ المؤكّد أنّ مُصطفى الكاظمي عادَ إلى العِراق بضمانات أمنيّة – سيّاسيّة، وهذا المُعطى تُعزّزه صورَته وهو يُصافح ضابطيْن من القوّة المُوكلة بحمايتهِ، بعدما غادرَ بغداد اثر مجموعة من الأحداث والتطورات، وفي مقدمها إصابة منزلِهِ في المنطقة الخضراء بطائرةٍ مُسيّرة مُفخّخة في تشرين الثّاني 2021. على الرّغم من أنّ أحداً لم يتبنَّ محاولة الاغتيال، أو الرّسالة المُفخّخة، إلّا أنّ المُحتوى السّياسيّ لإكمال صورة الانقلاب الإيرانيّ على السّلطة يومذاك كانَ واضحاً. تزامناً مع عودةِ الكاظمي، برزَ مؤشّران يحمِلان دلالات على أنّ المشهدَ في بغداد لن يبقى على حالِهِ في المُقبِل من الأيّام:

1- إعلان زعيم التيّار الصّدريّ السّيد مُقتدى الصّدر العودة إلى العملِ السّياسيّ، وبدءَ العمَل على إعداد العُدّة لخوضِ غمار الانتخابات النّيابيّة العراقيّة في الرّبع الأخير من العام الحاليّ. وكانَ الصدر حليفَ الكاظمي أثناء تولّي الأخير رئاسة الوزراء بين أيّار 2020 وتشرين الأوّل 2022.

2- عجز الحكومة الحاليّة برئاسة محمّد شيّاع السّوداني، التي تُمثّل قوى “الإطار التنسيقيّ”، عن فتحِ أيّ خطوط تواصلٍ جدّيّة مع إدارة الرّئيس الأميركيّ دونالد ترامب. زِد على ذلكَ أنّ السّوداني نفسه حاوَلَ أثناء مُشاركتهِ في “مؤتمر ميونخ للأمن” أن يلتقي مسؤولين أميركيين على هامش المؤتمر، إلّا أنّ مساعيهِ لم تُؤتِ ثمارها.

هل يخوضُ الكاظمي الانتخابات؟

اختارَ مُصطفى الكاظمي العودَة إلى العراق وإلى يوميّاتهِ السّياسيّة، في وقتٍ تتحضّر القوى السّياسيّة في بِلاد الرّافدَين لخوضِ السّباق الانتخابيّ. وسُرعان ما التقى الكاظميّ زعيم “تيّار الحكمة” السّيّد عمّار الحكيم، في لقاءٍ تصِحّ قراءتُه على أنّه ذو طابِعٍ انتخابيّ.

لا يضعُ الكاظميّ كُلّ قادةِ “الإطار التّنسيقيّ” في كفّةٍ واحدة. فهوَ يرى أنّ بعضَ أحزاب وتيّارات “الإطار” مُعتدِلة، ولم تتّخِذ موقفَ العداء له، مثل الحكيم ورئيس “ائتلاف النّصر” حيدر العبادي.

شكّلَ “التيّار الصّدري” بزعامة مُقتدى الصّدر دعامةً أساسيّة لحكومة الكاظميّ السّابقة، قبل أن تُطِيحَ بها المُعادلات المُتغيّرة على وقعِ عودة إيران إلى السّاحة العراقيّة، وذلك بعد فوز جو بايدِن في انتخابات 2020 في الولايات المُتّحدة. وهو ما أدّى إلى إقصاء الكاظمي من رئاسة الوزراء، ومُقتدى الصّدر من المشهدِ السّياسيّ.

قد يجدُ الكاظمي بالمُتغيّرات الإقليميّة والمُتغيّر الأساسيّ المتمثّل في عودة دونالد ترامب إلى السّلطة في واشنطن، “فرصةً ذهبيّةً” للعودة إلى رئاسة الوزراء، إمّا عبر خوضِ الانتخابات بشكلٍ مباشر، أو عبر ائتلافٍ جديدٍ تُنتجه الانتخابات المُقبلة يحملُ الكاظميّ إلى الحُكمِ مُجدّداً.

هُنا تنبغي قراءة عوامل عديدة قد تكُون عاملاً مُساعداً في قلبِ المشهدِ العراقيّ عبر صناديق الاقتراع:

1- إعلان التيّار الصّدري خوض الانتخابات تحتَ مُسمّى “التّيار الشّيعي الوطنيّ”. ويحملُ الاسمُ الجديد لتيّار آل الصّدر رسالةً واضحةً بأنّ الصّدريين يعملون تحتَ العنوان الوطنيّ العراقيّ، بعيداً عن التّبعيّة لإيران.

2- إعلان رئيس الوزراء الأسبق أياد علّاوي العودة إلى السّاحة السّياسيّة عبر إطلاق تجمّعٍ سياسيّ بالتحالف مع السّياسيّ السّنّي صالح المُطلك.

3- النّشاط السّياسيّ الذي يقوده محافظ النّجف السّابق والرّئيس المُكلّف السّابق عدنان الزّرفيّ.

تشير هذه التّحرّكات، بالإضافة إلى عودة الكاظمي ولقائه بالحكيم، إلى وجودِ حراكٍ لإيجاد تيّارٍ شيعيّ مُعتدِل يجمعُ بين الليبراليين والمُتديّنين من غير المُسلّحين، ويهدُف إلى سحبِ البساط السّياسيّ من تحتِ قادة الأحزاب والتيّارات المُسلّحة التي ينضوي أكثرها تحت عباءة “الإطار التنسيقي”، بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكيّ.

إنقاذ العراق؟

يُمكن القول إنّ الانتخابات ليسَت السّبب الوحيد لعودة مُصطفى الكاظمي إلى السّاحة السّياسيّة. فقادة الفصائل والتّيارات الحاكمة في بغداد يتحسّسون “الرّقاب السّياسيّة” منذ اشتعال الحرب في قطاع غزّة وامتدادها إلى لبنان وما رافقها من اغتيالات طالت كبار قادة “الحزبِ”، وفي مُقدَّمهم الأمينان العامّان حسن نصرالله وهاشم صفيّ الدّين. وما تبعَ ذلكَ من انقلابٍ كاملٍ للمشهدِ السّياسيّ في لبنان وسوريا في أيّامٍ معدودة، نتجَ عنه انتخاب جوزف عون رئيساً للبنان، وسقوطُ نظام بشّار الأسد، وتعيين أحمد الشّرع رئيساً لسوريا.

السُّبحة التي “كرّت” في لبنان وسوريا يبدو أنّها قد تصل إلى العِراق، حيثُ التّوازن السّياسيّ مفقودٌ منذ 4 سنوات تقريباً. سقوطُ الهيمنة الإيرانيّة المُطلقة في بيروت ودِمشق، ووصول ترامب الذي لا يولي الملفّ العِراقيّ اهتماماً إلّا من منظور سياسة “الضّغط الأقصى” على إيران، يُحتّمان قلبَ المشهد في عاصمة العبّاسيّين.

لا تُعتبَرُ إيران اليوم في موقفٍ يُساعدها على فرضِ ما تُريد في بغداد. أمّا واشنطن بقيادة ترامب فتتهيّأ للعودة إلى سياسة “الضّغط الأقصى”، وما تعنيه من خنقٍ لمصادر تمويل إيران، بما في ذلك الأموال التي كانت تصلُ من العِراق للكهرباء والطّاقة، واستهدافٍ للشخصيات والأحزاب الموالية لها.

من هُنا يمكنُ قراءة عودة مصطفى الكاظميّ أنّها أحد “المفاتيح” الأساسيّة لإبعاد العراق عن شبح العقوبات الأميركيّة وآثار الاشتباك الأميركيّ – الإيرانيّ الذي وصلَ في مطلع 2020 إلى حدّ اغتيال قاسم سُليماني وأبي مهدي المُهندس على أسوار مطار بغداد الدّوليّ. وقد نجحَ الكاظمي حينذاك في تحييد السّاحة العراقيّة بعد تولّيه رئاسة الوزراء منتصف ذلكَ العام، إلى حين انقلبَت إيران بعد خسارة ترامب.

قد يطمع قادة “الإطار التنسيقي” في إعادة الكرّة مع الكاظميّ لينقلَ العراق إلى ضفّةٍ آمنة عبر شبكة علاقاته الأميركيّة – الإقليميّة. لكنّ الأكيد أنّ الأخيرَ لن يقومَ بذلكَ مجّاناً، خصوصاً أنّ من يطلبون “الحماية” اليوم كرّسوا في الأمس الميليشيات والقضاء والإعلام لإرساء حُكمهم، في ظلّ توازنٍ غائبٍ عن المشهد، لا سيما مع تغييب الأكراد والسُّنّة عن حُكم العراق.

اليوم، يبدو أنّ الكاظمي يكاد يكون الشّخصيّة العراقيّة الوحيدة القادرة على تحييد العراق عمّا هو آتٍ، وإعادة التوازن الذي قامَ عليه العراق بعد إسقاط نظام صدّام حسين بأضلعه الثّلاثة: الشّيعة والسُّنّة والأكراد.