ملاذاً للنخبة وعشاق الاسترخاء عبر التاريخ
إعداد: لوسي حبيب
في هذه الجنة الخضراء المترامية في غابات بوهيميا التشيكية، حيث تتراقص الطبيعة على أنغام المياه المتدفقة، نقش الأديب الألماني "غوته" أحد أكثر فصول الحب حزناً عندما التقى عام 1821 البارونة الألمانية "أولريكا فون ليفيتزوف". كان في الثانية والسبعين من عمره، بينما لم تكن تتجاوز السابعة عشرة. فتوهج قلبه بحب لم يكتمل. ورغم الألم، كتب عام 1823 "مرثية مارينباد" إحدى أروع قصائده، والتي بقيت شاهدة على عشقه المكسور لهذه البلدة الحالمة. وبعد أكثر من 200 عام على تلك القصة العاطفية، سأعبر إلى مارينباد Marienbad أو كما يعرفها أهلها بإسم "ماريانسكي لازني"Mariánské Lázně لأستكشف سحر هذا المكان المغمور بقصص الحب الخالدة، وبحكايات الملوك والعظماء.
وجهة الملوك والفنانين!
لطالما كانت مارينباد، ملاذاً للنخبة وعشاق الاسترخاء عبر التاريخ. اختارها الملك البريطاني إدوارد السابع وجهته الصيفية المفضلة بين عامي 1897 و1909، مما جعلها نقطة التقاء لكبار شخصيات أوروبا، ومن بينهم الإمبراطور النمساوي فرانتس جوزيف الأول ورئيس الوزراء الفرنسي كليمونصو. وقد أسرته بسحرها الأخاذ، وكرم أهلها، ومأكولاتها الشهية، فضلاً عن مياهها المعدنية ذات الفوائد العلاجية العديدة.لكن مارينباد لم تكن فقط وجهة للملوك والساسة، بل كانت أيضاً مصدر إلهام للفنانين. ففي عام 1836، زارها الموسيقار البولندي الشهير فريدريك شوبان، وهو في الخامسة والعشرين من عمره، آملاً أن يحظى بموافقة والد محبوبته، الرسامة وعازفة البيانو البولندية ماريا فودزينسكا، على الزواج منها. ورغم أن حلمه العاطفي لم يكتمل، إلا أن مارينباد احتفظت بذكراه خالدة، فأسست متحفاً يحمل اسمه، وأطلقت مهرجان "شوبان" الموسيقي السنوي في آب (أغسطس)، إلى جانب تسمية أحد شوارعها ومدرستها الموسيقية باسمه.
"نوفيه لازنيه"... حيث إستراح الملوك!
على مشارف القرن التاسع عشر، شيد فندق "نوفيه لازنيه" Hotel Nové Lázně عام 1896، متوجاً بأبراجه الشامخة، ليصبح ملاذًا للنخبة وعشاق الرفاهية. كان الملك البريطاني إدوارد السابع يجد في أروقته خلوة للراحة، وكان يعشق الإستراحة تحت ظلال أشجار البلدة الوارفة، وبين أحضان المياه المعدنية التي تروي الجسد بأسرار الشفاء. تتنوع العلاجات في منتجع الفندق الصحي، فتجد مرضى المفاصل والروماتيزم يغمرون أجسادهم في المياه الدافئة، وأصحاب الأمراض الجلدية ينعمون بمغاطس الطين الغني بالمعادن. حتى الذين يعانون من مشاكل الجهاز الهضمي والتنفسي يجدون هنا العلاجات التي تعيد لهم عافيتهم. أما مرضى السرطان، فيحظون برعاية خاصة تُحيطهم بأجواء من الصفاء النفسي، حيث يؤمن المتخصصون أن النقاء الداخلي هو المفتاح الأول للتعافي. إذا كان لمارينباد أن تفخر بلحظة ميلادها كوجهة علاجية، فإنها تعود إلى فندق "سنترالنيه لازنيه" Centrální Lázně Hotel، الأقدم في البلدة، والذي ينهل من نبع "ماريا" الشهير. من هنا، تنبعث "غازات ماريا" المحملة بثاني أكسيد الكربون والمعروفة بقدرتها العجيبة على تنشيط الدورة الدموية، وتحفيز الكلى، وتسكين الآلام المزمنة. وما أجمل أن تخطو في هذا الفندق العريق، حيث تشعر وكأنك تسير بين صفحات التاريخ، بينما تستنشق عبق الماضي الممزوج بوعود الشفاء. وسلسلة أماكن الأقامة الفخمة تكاد لا تنتهي هنا، منها فندق "هفيزدا هيلث سبا" Hvězda Health Spa Hotel الذي يحتضن أكبر مسابح البلدة، وفيها تمتزج مياه الينابيع مع عناية الخبراء لتوفير علاجات فعالة لمشاكل العظام والعضلات. وعلى مقربة منه، يتلألأ فندق "باسيفيك هيلث سبا" Pacifik Health Spa Hotel حيث يواصل منتجعه الصحي تقديم علاجات إعادة التأهيل لما بعد العمليات الجراحية، مستعيناً بالمياه المعدنية كإكسير للشفاء. ولأولئك الذين يبحثون عن لمسة عصرية في وسط هذه البلدة التاريخية، فإن فندق "باتيرفلاي" Butterfly هو الخيار الأمثل. بإطلالته العصرية ولمساته الأنيقة، يستقبل العائلات والشباب في أجواء تجمع بين الراحة والمتعة. في رحابه ينبض منتجع "باتيرفلاي" بالحياة، مدعوماً بعلاجاته المستوحاة من نبع "فرديناند" الغني بالكبريت، الذي يعزز الصحة العامة ويعيد للجسد حيويته.
تعرفوا على مارينباد!
حين تتجول في شوارع مارينباد، ستجد نفسك في حضرة التاريخ، حيث يقف تمثال الكاهن "كاريل كاسبار رايتنبرغر" شامخاً بجوار "النافورة الغناء"، ذلك المعلم الفريد الذي تتراقص مياهه على أنغام الموسيقى العذبة. لم يكن هذا الرجل مجرد كاهن، بل كان صاحب رؤية، إذ أدرك قيمة المياه المعدنية في علاج الأمراض، ووضع حجر الأساس لإزدهار البلدة كوجهة علاجية عالمية. وأرض مارينباد خيرة ومعطاء وتتفجر منها عشرات الينابيع للمياه المعدنية، كينبوع "كروس سبرينغ" Cross Spring المميز بأعمدته الأيونية الفريدة البالغ عددها 72، والتي تحاكي عظمة المعابد الإغريقية. أما مياهه، فهي نعمة للقلب والأوعية الدموية لتعزز مرونتها وتمنح الجسم طاقة متجددة. بجواره تتفجر مياه نبع "كارولينا" Karolina Spring المظلل بقبة بهية الشكل تحرسها ثمانية أعمدة كورنثية الطراز، وهو شهير بمياهه المعدنية الغازية التي تحتوي على الماغنيسيوم، والمفيدة للعظام والجهاز العصبي. أما نبع "رودولف" Rudolph Spring فهو ملاذ لمن يعانون من مشاكل في المسالك البولية، حيث تتغلغل مياهه الغنية بالمعادن في الجسد فتمنحه راحة وعافية. لم يكن عبثاً أن تُدرج منظمة الأونيسكو مارينباد عام 2021 على قائمة التراث العالمي وعلى لائحة مدن المنتجعات الصحية الأوروبية الكبرى. فقد كانت هذه المدن، ولا تزال، شاهداً على تطور الطب والاستشفاء الطبيعي، ليقدما للزوار تجربة علاجية تجمع بين العافية والفخامة. لا تكتمل زيارة مارينباد دون المرور بصرحها الأيقوني، مبنى "كولونيد" Colonnade الذي يُجسد أبهى صور للهندسة الباروكية. بسقفه المزخرف، وأقواسه التي تنساب كالأمواج، يشعرك المبنى بأنك تتجول في ردهات قصر ملكي، حيث تتجلى عظمة التصميم الأوروبي في أدق تفاصيله. هذه هي مارينباد، البلدة التشيكة التي تعدكم بالحب والرومانسية وبإسترجاع الصحة والعافية.
تعرفوا على مارينباد!
تقع مارينباد في غرب جمهورية التشيك، على بعد 170 كم من العاصمة براغ. يمكن الوصول إليها بالسيارة خلال ساعتين ونصف.
اللغة الرسمية هي التشيكية، ويتكلم معظم العاملين في قطاع السياحة والخدمات الإنكليزية بطلاقة.
العملة المستخدمة هي الكرونة التشيكية، حيث يعادل كل دولار أميركي حوالي 24 كرونة تشيكية.
يتفجر من مارينباد 40 ينبوعاً للمياه المعدنية الباردة ذات فوائد علاجية متنوعة، بينما تضم المنطقة المحيطة أكثر من 100 ينبوع.
تتميز هذه الينابيع بتركيبات كيميائية مختلفة، حيث تحتوي على الكالسيوم، المغنيسيوم، الحديد، ثاني أكسيد الكربون، والأملاح المعدنية، مما يجعلها فعالة في علاج العديد من الحالات الصحية من خلال العلاج بالشرب، الحمامات المعدنية، والعلاجات الاستنشاقية تحت إشراف فريق طبي متخصص.
تقدم فنادق "إنسانا" في مارينباد مجموعة من العلاجات الطبيعية الفريدة بإستخدام الموارد المعدنية المحلية. لمزيد من المعلومات حول العلاجات المتاحة، يمكنكم زيارة: ensanahotels.com