إيران مأزومة... هل تعتبر استقالة ظريف إعلاناً لفشل السياسة الخارجية الساعية للعودة إلى المفاوضات النووية؟
نقطة تقاطع واسعة للتيار الإصلاحي في إيران
نجحت الضغوط المتزايدة على نائب الرئيس الإيراني للشؤون الإستراتيجية محمد جواد ظريف في دفعه الى الاستقالة من منصبه، بعد أن اقترح عليه رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف الاستقالة بدلا من الإقالة.
وتعود الضغوط على ظريف إلى قانون الوظائف الحساسة، إذ يتذرّع المعارضون له بأن تعيينه في منصب مساعد الرئيس للشؤون الاستراتيجية كان غير قانوني، لأن اثنين من أبنائه يحملان الجنسية الأميركية، وهي مسألة أثارت جدلًا واسعا في الإعلام وأوساط المعارضين خلال الأسابيع الأخيرة.
وفي مطلع شهر آب/أغسطس الماضي عيّن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، ظريف نائباً لرئيس الجمهورية للشؤون الاستراتيجية، وأوكل إليه مسؤولية مركز البحوث الاستراتيجية الرئاسية.
ثاني إستقالة لظريف بعهد بزشكيان
وهي المرة الثانية التي يقدّم فيها ظريف استقالته، في عهد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وكان قد أعلن استقالته من منصبه مساعداً للرئيس الإيراني، وذلك بعد 10 أيام من توليه المنصب، لكنه عاد مرة أخرى وأعلن مواصلة عمله.
منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وجد ظريف نفسه في قلب معركة بين الأعضاء الإصلاحيين والمحافظين في البرلمان الإيراني، ومارس عليه المتشددون ضغوطاً متزايدة للاستقالة.
إهانات وافتراءات وتهديدات
وعلّل ظريف تقديم استقالته بتعرّضه للإهانات والافتراءات والتهديدات "الأكثر سخافة" ضده وضد عائلته حتى داخل الحكومة، لاسيما من قبل المحافظين الذين تذرّعوا بامتلاك أولاده الجنسية الأميركية، والتي تشكل مخالفة دستورية بموجب قانون أقرّه البرلمان السابق عام 2022 يمنع تولي المناصب الحساسة من قبل الشخصيات التي لدى أولادها جنسية أجنبية.
بعيداً عن الأسباب المعلنة التي تتعلّق بحصول أبنائه على الجنسية الأميركية والذي يتعارض مع القوانين الإيرانية، يقول الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية، د. خالد الحاج في حديث لـ"النهار": "من الواضح أن هذا التبرير غير مقنع نظرا لدور ظريف التاريخي كوزير خارجية لفترة طويلة، ومكانته كأحد أبرز الشخصيات السياسية في إيران، المعروفة بقدرتها الدبلوماسية وبناء سياسة براغماتية تعتمد على التوازن والعقلانية".
ووفقاً للحاج فإن "ظريف يمثل نقطة تقاطع واسعة للتيار الإصلاحي في إيران، وله خبرة وعلاقات دولية واسعة مكّنته من لعب أدوار رئيسية في السياسة الخارجية، خصوصاً في مرحلة الاتفاق النووي".
ويلفت الى أن "عودته إلى السلطة منذ نحو عام جاءت في ظل التغيرات الجذرية التي شهدتها إيران بعد اغتيال الرئيس إبراهيم رئيسي، وما تلاه من تحولات سياسية تعكس تغيراً في الذهنية السياسية للشعب الإيراني، خاصة بين فئة الشباب والنساء".
ويوضح الحاج أنه "في استقالته الأولى، كان الخلاف بين التيار الإصلاحي الذي يمثله ظريف، والمحافظين بقيادة الحرس الثوري، هو العامل الأساسي. وقتها، دعا الحرس الثوري إلى رد سريع وحازم على اغتيال إسماعيل هنية، بينما اعتبر ظريف أن ردة الفعل العشوائية ستضر بجهود إيران للعودة إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة قبل عودة دونالد ترامب المحتملة".
ويتابع: "هذا الخلاف دفع المرشد الأعلى علي خامنئي إلى وصف هذا النهج بـ"التراجع التكتيكي أمام الأعداء"، فعاد ظريف عن استقالته حينها ورافق الوفد الرئاسي إلى اجتماع الأمم المتحدة".
ازدياد التوتر بين الإصلاحيين والمحافظين
وعن خلفيات الإستقالة وأسبابها، يلفت الحاج الى أنه "مع تصاعد الضغوط على حزب الله في لبنان وتعرّضه لضربات موجعة أفقدته جزءاً من قوته وصورته منذ حرب 2006، ومع تقييد استخدامه للأسلحة الإيرانية ضمن سياسة التهدئة التي تبنّاها ظريف، ازدادت حدة التوتر بين التيار الإصلاحي والمحافظين وبالاخص الحرس الثوري".
ويذكّر بأنه "حتى في الرد الإيراني على اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصرالله ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس السابق إسماعيل هنية، لجأت إيران إلى استخدام صواريخ فرط صوتية برؤوس متفجرة ذات حمولة منخفضة (50 كيلوغراماً بدلاً من 500 كيلوغرام)، بهدف تجنّب أعداد كبيرة من القتلى، وذلك ضمن استراتيجية ظريف الهادفة إلى استخدام هذه الورقة في إطار العودة المحتملة للمفاوضات مع الولايات المتحدة".
تعكس حجم الأزمة التي تواجهها إيرن
وبحسب الحاج، فإن "إقالة وزير الاقتصاد الإيراني عبد الناصر همتي قبل استقالة ظريف مباشرة تعكس حجم الأزمة السياسية والاقتصادية التي تواجهها إيران. فمع الخسائر المتتالية لسياستها الإقليمية، خاصة في لبنان، بدأ التأثير السلبي يمتد إلى الداخل الإيراني، ما أدى إلى تصاعد الضغوط على الإصلاحيين".
وبحسب الحاج، يمكن قراءة استقالة ظريف كمحاولة من النظام لتأمين انتصار للتيار المحافظ، وإعلان فشل السياسة الخارجية التي سعت للعودة إلى المفاوضات النووية.
إيران تتجه نحو تصعيد إقليمي
وعما إذا كانت استقالة ظريف مؤشر على اتجاه المنطقة نحو التصعيد، يرى الحاج أنه "من الواضح أن إيران تتجه نحو تصعيد إقليمي في ظل الخسائر المتراكمة والتوتر المتزايد، خصوصاً بعد أن وجدت نفسها تخسر أوراقاً استراتيجية كانت تعتمد عليها، ما يعزز فرضية أن المرحلة المقبلة قد تشهد محاولات ايرانية لتغير قواعد اللعبة في محاولة لوقف خساراتها من جهة والضغط على الاميركيين لفتح الملف النووي".
ويختم الحاج: "اعتقد أننا في لبنان قد نشهد في الجنوب تغيراً ملموساً للسياسة الإيرانية الجديدة".
مهندس الاتفاق النووي الإيراني
ويعد ظريف مهندس الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران في 2015 مع المجتمع الدولي بهدف تخفيف العقوبات المفروضة عليها مقابل فرض قيود على برنامجها النووي، وعلى الرغم من أن الاتفاق حظي بدعم بعض الأوساط السياسية والاجتماعية، فإنه واجه أيضا انتقادات حادة من التيار المتشدد.
إلا أن الاتفاق شهد انهياراً جزئياً في 2018 عندما انسحبت منه الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب الذي أعاد فرض العقوبات على إيران.