ترامب والحرب التجارية: الدولار أول المتضررين!
ليست مجرد نزاع موقت "بل تمثل نقطة تحول في شكل النظام الاقتصادي العالمي"
محمد غسّاني - النهار
عاش الاقتصاد العالمي حالة من الترقب إبان الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، لكن سرعان ما تحولت إلى حالة من الارتباك، على الصعيدين الداخلي أو الخارجي، خصوصاً بين الشركاء التجاريين الكبار للولايات المتحدة، بعد توليه السلطة في 20 كانون الثاني/ يناير الماضي.
وقد ظهرت التحذيرات من "تداعيات خطيرة" للسياسات الاقتصادية التي يتبعها ترامب، وتعتمد على التعرفات الجمركية والعقوبات الاقتصادية كسلاح ضغط على الدول الأخرى، حليفة أو خصماً. وآخر معالم الحرب التجارية التي أطلقها ترامب فرض رسوم جمركية على كندا والمكسيك، وزيادة الرسوم على السلع الصينية، وفرض رسوم أميركية على واردات الصلب والألومنيوم المتعلقة بالاتحاد الأوروبي.
في هذا السياق، يُؤكّد علي حمّود، الخبير في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية، لـ"النهار" أن الحرب التجارية التي أطلقها ترامب ليست مجرد نزاع اقتصادي مؤقت، "بل تمثل نقطة تحول في شكل النظام الاقتصادي العالمي، مع احتمالات تراجع الهيمنة الأميركية، وظهور نظام اقتصادي متعدد الأطراف".
ويضيف، مستنداً إلى رفع التعرفات الجمركية على كندا والمكسيك والصين والاتحاد الأوروبي: "هذه الاقتصادات مجتمعة تشكل نحو 61% من واردات الولايات المتحدة من السلع، وهذه الإجراءات تمثل نهاية العلاقات التجارية الليبرالية".
"خطِرة على الاقتصاد الأميركي"...
لا يردّ حمّود العجز التجاري لأميركا إلى غش يمارسه الشركاء التجاريون، إنما إلى تجاوز إنفاقها للدخل، "نظراً إلى أن العامل الأكثر تحديداً للعجز التجاري هو العجز المالي الفيدرالي الضخم، الذي يبلغ نحو 6% من الناتج المحلي الإجمالي".
وبحسبه، يرى ترامب أن رفع الرسوم الجمركية يساعد، على سبيل المثال، شركات السيارات في المكسيك التي تبيع سياراتها في أميركا، على إنشاء معاملها، ما يعيد المعامل في ميشيغان للعمل، موضحاً: "يعتبر ترامب أن لهذه السياسة أهمية كبيرة لبلاده على المدى الطويل".
ويذهب بعضهم إلى تحليل خطوات ترامب كعملية ضغط لتخفيض قيمة الأسهم، من أجل الضغط على رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول لتخفيض الفائدة، كما يشير حمّود، الذي أكد أن هذه التصرفات "خطِرة" على الاقتصادين الأميركي والعالمي.
وعن الدول التي تتأثر برفع التعريفات الجمركية، يشير الخبير في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية إلى أن "اقتصادي المكسيك وكندا سيكونان الأكثر تأثراً، بينما الاتحاد الأوروبي سيعتبر التعرفات حرباً اقتصادية غير مبررة، ما يضر بالعلاقات الدولية"، لافتاً إلى أهم تداعيات هذه الخطوة، وهي الاضطرابات في الأسواق المالية، "حيث تم بالفعل فقدان 3,4 تريليونات دولار من قيمة الأسهم الأميركية، وهو ما يمكن اعتباره كارثة في عام 2025، إذ يؤثر مباشرةً على ثقة المستثمرين والمستهلكين، ويؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي".
"إضعاف هيمنة الدولار"...
وبحسب حمّود، "قد تؤثر التهديد برفع التعريفات الجمركية على دول مجموعة "بريكس" على نفوذ الدولار عالمياً، خصوصاً بعدما اتبع ترامب سياسات حمائية، من شأنها إضعاف الثقة بالدولار، خصوصاً إذا دفعت بعض الدول للبحث عن بدائل في التعاملات التجارية"، مضيفاً: "هذا يضر بمكانة الدولار كعملة احتياطية أولى عالمياً".
ويلفت في حديثه إلى أن هذه التهديدات تؤثر في الاتفاقات التجارية، وقد تؤدي إلى حالة من عدم اليقين تدفع بالمستثمرين نحو ملاذات آمنة، وتؤثر في حركة رؤوس الأموال عالمياً، علماً أن هجوم ترامب على النظام العالمي يعيد رسم خريطة التحالفات الدولية، ويحمل أعباء اقتصادية قد تمتد تأثيراتها أبعد من أميركا.
تداعيات أخرى...
كذلك، يتحدث حمّود عن اضطرابات في سلاسل التوريد والدخول في ركود تضخمي، "بمعنى ارتفاع التضخم وضعف النمو الاقتصادي، وهذا يكلف الإنتاج العالمي نحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعادل خسائر اقتصاد دولتين بحجم ألمانيا وفرنسا معاً، بحسب التقديرات". ويشير حمّود أيضاً إلى احتمال ارتفاع أسعار السلع، وبالتالي ارتفاع معدل التضخم في اقتصادات كبرى عدة، كما يؤثر ذلك على الدول النامية والأكثر فقراً، لافتاً أيضاً إلى تداعيات هذه الحرب التجارية على الرهن العقاري الأميركي. يقول: "سترتفع أسعار المنازل وتنخفض أسهم شركات المطورين العقاريين، لأن مشاكل سلاسل التوريد ستؤدي إلى ارتفاع أسعار الصلب ومواد البناء، ما يؤدي أيضاً إلى ارتفاع قروض السكن".
ويضيف حمّود: "من التداعيات أيضاً تراجع الاستثمار الأجنبي، لا سيما بعد مهاجمة ترامب مؤسسات مالية عالمية كمنظمة التجارة العالمية وصندوق النقد والبنك الدولي، وهذه مؤشرات سلبية حول استقرار النظام الاقتصادي، ما يجعل المستثمرين أشد تحفظاً في قراراتهم، وهذا قد يساعد الصين في زيادة نفوذها في هذه المؤسسات".
تحالفات اقتصادية...
ويرى حمّود أن سياسات الضغط الاقتصادية التي يمارسها ترامب "قد تؤدي إلى تشكيل تحالفات للبحث عن بدائل للأسواق الأميركية"، موضحاً أن هذا قد يسرع انتقال القوة الاقتصادية من أميركا نحو آسيا وأوروبا، في حال الاستقرار السياسي، مؤكداً أن هذا التحول "يخلق نظاماً اقتصادياً ومالياً متعدد الأقطاب، من دون هيمنة اقتصادية".
ويشير حمّود إلى أن الحرب التجارية تؤدي إلى اضطرابات في أسعار الطاقة عالمياً، وكذلك عرقلة التحولات نحو الطاقة النظيفة، "ما يؤثر في الدول المنتجة للنفط بسبب الركود المحتمل الذي يُضعف الاستهلاك".
في الختام، تظل التحديات الاقتصادية العالمية تتغير بشكل مستمر، ما يعكس تحولات كبيرة في توازن القوى الاقتصادية، إذ يبدو أن التوترات التجارية قد تساهم في إعادة تشكيل المشهد العالمي، لتفتح آفاقاً جديدة للتحالفات الاقتصادية والمالية.