كمال جنبلاط العابر للطوائف... كيف تمكّن من استقطاب كل المذاهب؟
زعيم وطني عربي
المصدر: النهار
يُستذكر الزعماء والسياسيون اللبنانيون الذين شكّلوا النخبة السياسية خلال زمن لبنان الذهبي الذي سبق الحرب الأهلية بمزايا الفكر الوطني والإصلاحي، لكن المعلّم كمال جنبلاط قد يكون من بين قلّة قليلة تُستذكر بميزة الوحدة الوطنية، فكان زعيماً لبنانياً عابراً للطوائف والمذاهب، تمكّن من الوصول إلى كافة شرائح النسيج اللبناني، قبل أن تندلع الحرب الأهلية وتقولب الزعماء داخل مجتمعاتهم الطائفية.
قام تاريخ لبنان منذ عهد المتصرفية على الثنائية الدرزية – المارونية، واستمر الواقع على حاله وأضيف إليه العنصر السنّي بعد تشييد لبنان الكبير والاستقلال، وكان خلال تلك الحقبة كمال جنبلاط القطب الدرزي وأحد الأعمدة الثلاثة التي قامت عليها السياسة في لبنان، لكن زعيم المختارة تمكّن من استقطاب نخب ومفكرين وجماهير من كافة الشرائح المذهبية.
الأستاذ الجامعي والباحث في التاريخ الثقافي والاجتماعي والديبلوماسي السابق خالد زيادة يستذكر كمال جنبلاط خلال حديثه لـ"النهار" كزعيم وطني "تمتع بشخصية استثنائية وكان له حضوره بتاريخ لبنان الحديث، وتمكّن من أن يكون لبنانياً وعربياً في آن معاً"، وهي عوامل يتفق من عاصر كمال جنبلاط على أنها جعلته ورؤيته السياسية مقبولاً من قبل أطياف المجتمع دون استثناء، وشكّلت مداخل إليها.
كان لبنان مقسوماً حينها بين شريحتين، الأولى ذات بعد عربي كانت مؤيّدة للطروحات العروبية ومشروع الزعيم العربي جمال عبد الناصر، وانتمت غالبية هذه الشريحة إلى المجتمع الإسلامي والسنّي على وجه التحديد، فكانت أفكار كمال جنبلاط العروبية الداعمة للقضية الفلسطينية وعلاقته القوية بعبد الناصر عاملاً مساعداً لاستقطاب مناصري هذا الرأي.
الشريحة الثانية كانت تؤمن بالفكرة اللبنانية ونهائيتها، ترفض مشاريع الاندماج بسوريا وتؤيّد الاستقلال اللبناني، وتضم لبنانيين من كافة الأطياف وبطليعتهم المسيحيون، وتمكّن كمال جنبلاط من خلال إيمانه برسالة لبنان التعدّدية والديموقراطية ورفضه "السجن الكبير" كما أسماه، أي الذوبان اللبناني في سوريا، أن يستقطب هذه الشريحة أيضاً.
الأستاذ الجامعي والباحث عصام خليفة يتحدّث لـ"النهار" عن قدرة كمال جنبلاط على الجمع بين النقيضين، ويشير إلى أنّه كان يجمع بين الثقافة العميقة بالحضارات الشرقية والغربية، فكان من دعاة العروبة العلمانية"، وبرأي خليفة، فإنّ هذا الطرح يمثّل "الحل المستقبلي للبنان"، فيما يقول زيادة إن كمال جنبلاط تميّز بثقافته "العميقة التي تجمع بين حكمة الشرق وعقلانية الغرب".
من جهته، يتحدّث الباحث والأستاذ الجامعي فارس اشتي عن التوازن الذي تمكّن كمال جنبلاط من تحقيقه، بين التحالف مع عبد الناصر الذي فتح له المجال العربي، وفي الآن عينه انفتاحه على الأحزاب الاشتراكية والقومية في الداخل اللبناني وتمسّكه باستقلال لبنان، فأيّد الوحدة العربية لكن على أساس اتحاد دول مستقلّة، وليس الدمج".
إلى ذلك، تمكّنت أفكار كمال جنبلاط وفلسلفته السياسية والاقتصادية والاجتماعية من استقطاب شرائح المجتمع اللبناني أيضاً، والتي تجسّدت بتأسيس الحزب التقدمي الاشتراكي، إلى جانب نخبة من المفكّرين اللبنانيين الذين ينتمون إلى أكثر من مذهب وأكثر من مدرسة سياسية، بينهم الشيخ عبدالله العلايلي، فريد جبران، ألبير أديب، فؤاد رزق، جورج حنا.
زيادة يقول إن تجربة الحزب التقدمي الاشتراكي كانت تمثّل تطوراً في الحياة السياسية والحزبية اللبنانية، فيما يشير خليفة إلى أن تأليفه الحزب مع نخبة من المثقفين اللبنانيين فتح له الطريق إلى كافة البيئات الاجتماعية، أمّا شتيه، فيشدّد على أهمية تحديث الزعامة التقليدية الذي قاده كمال جنبلاط من خلال تأسيس الحزب.
إلى ذلك، كان لفلسلفة كمال جنبلاط الاجتماعية وتجربته في وزارتي الاقتصاد والداخلية دوراً كبيراً في تعبيد طريقه إلى الشرائح المذهبية المتعدّدة، فإيمانه بالعدالة الاجتماعية والحرية وسعيه المستمر لتأسيس وتوسيع نطاق خدمة المؤسسات الاجتماعية والرسمية، كالضمان الاجتماعي والجامعة اللبنانية، كانت عوامل مساعدة كونها اهتمامات مشتركة بين كل الشرائح.
في المحصّلة، فإن رؤية نخب الطوائف لكمال جنبلاط تؤكّد أنّه زعيم وطني عربي تمكّن من خلال أفكاره اللبنانية والعروبية السياسية والاجتماعية العبور من الزعامة المذهبية إلى الزعامة الوطنية.