زلزال جمارك ترامب «الإمبراطورية» يغير وجه العالم!

زلزال جمارك ترامب «الإمبراطورية» يغير وجه العالم!

image

زلزال جمارك ترامب «الإمبراطورية» يغير وجه العالم!
حساب حقل «يوم التحرير» يناقض حساب «بيدر» الخصوم والحلفاء!

سمير سكاف - "الديار"
أقدم الرئيس الأميركي دونالد ترامب على خطوة «إمبراطورية»! هي أقرب الى فرض الضرائب على العالم، بقرار شبيه بقرارات الأباطرة يوليوس قيصر وأوغسطس وكاليغولا... في زمن الامبراطورية الرومانية!

إنه قرار مالي - اقتصادي... ولكن بنتائج سياسية!

وسيغير قرار ترامب بالتأكيد وجه العالم...السياسي! وذلك، من دون معرفة هدف ترامب الأخير منه؛ ما إذا كان مالياً فقط من وجهة نظره، أو يهدف الى «فرض» التفاوض «الثنائي» أو «الأحادي» مع كل من دول العالم، أو فرض خيارات اقتصادية لقبض أثمان سياسية - اقتصادية.

يعتقد الرئيس ترامب أن قراره «الإمبراطوري» في «يوم التحرير» سيُدخل الى خزينة الولايات المتحدة، التي يرغب في تكريسها كـ «روما الجديدة»، حوالى 3 تريليون دولار في السنوات العشر المقبلة.

ويؤكد مستشاروه أن مداخيل الجمارك على السيارات المستوردة يمكن أن تصل وحدها الى 100 مليار دولار إضافية في السنة، وأن الضرائب المفروضة على الصين يمكن أن تؤمن مداخيل بقيمة 200 مليار دولار إضافية في السنة، مقابل 110 مليار دولار في السنة من كندا وحدها!

قد ترتفع مداخيل الولايات المتحدة وأسهم الشركات الأميركية المختلفة، كما حصل مع شركة تسلا لصديق ترامب إيلون ماسك، على المدى القصير.

ولكن أمنيات التفكير «الترامبي» غير مطابقة لنقلات «شطرنجية» تصعيدية من الجيران في كندا والمكسيك، ومن الحلفاء الأوروبيين، قبل الخصوم في الصين. والتحركات المضادة يمكن أن تقلب موازين أفكار ترامب وفريقه الاقتصادي!

إن زيادة المداخيل «الفورية» نتيجة رفع الرسوم الجمركية الأميركية ضد معظم البلدان في العالم، ضد «الأقربون» قبل الخصوم لا يمكنها الاستمرار.

ويمكن لهذه الضرائب أن تتسبب ليس فقط بركود اقتصادي، بل بأضرار هائلة في عديد من القطاعات، وأبرزها في أحد أقوى القطاعات الأميركية، وأحد أكبر اللوبيات في أميركا، وهو القطاع الزراعي.

كما إن التراجعات في الأسهم للعديد من الشركات الأميركية في العديد من القطاعات ستطفو على الأسطح الإعلامية مع انطلاق «طوفان أقصى» الردود الجمركية والإقتصادية والسياسية من الصين والاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك... كأكثر المتضررين من جمارك ترامب!

يعتقد الرئيس ترامب أن هذه الاجراءات الجمركية تحمي الاقتصاد الأميركي وتعزز الصناعات المحلية وتعيد التوازن الى الميزان التجاري ويمكنها أن تستقطب حوالى 6 تريليون دولار من الاستثمارات الدولية الى الداخل الأميركي.

*تحقيق التوازن في الميزان التجاري لا يكفي لتطوير الصناعات الأميركية!*

ولكن، لن يستطيع الرئيس ترامب بالضرورة بهذه القرارات إنشاء صناعات أميركية في مستوى وحجم الصناعات الصينية على سبيل المثال، بسبب الفروقات في التكلفة والضرائب وأجور اليد العاملة ومستوى الحياة اليومية للعمال.

وقد تكون النقطة الأساسية التي يعتمد عليها ترامب هو العجز «الفعلي» في الميزان التجاري الأميركي.

وبأرقام تقريبية، يبلغ حجم صادرات الصين الى الولايات المتحدة سنوياً 3 أضعاف وارداتها! أي صادرات بقيمة 440 مليار دولار في السنة مقابل حوالى 144 مليار دولار من الواردات.

وقد تصل الضرائب الاميركية على المنتجات والسلع الصينية الى حوالى 34٪. واعتبرت الصين فوراً أن الكل سيخرج خاسراً بقرارات ترامب.

وإذ نجح الرئيس ترامب بالتأكيد بفرض «التفاوض» على الصين، ولكن مساحة تحقيق المداخيل الكبيرة منها لن يكون بالحجم الذي يتحدث عنه مستشارو الرئيس الاميركي!

تصدر المكسيك الى الولايات المتحدة سنوياً ما قيمته 506 مليار دولار (أكبر المصدرين إليها) وتستورد بقيمة 334 مليار دولار. في حين تصدر كندا بقيمة 413 مليار دولار وتستورد بقيمة 350 مليار دولار. ومن الممكن جداً أن كندا والمكسيك قد تتحدان في الردود على الضرائب الأميركية!

أما مجموع صادرات دول الاتحاد الأوروبي الى الولايات المتحدة فهو يصل الى ضعف وارداته تقريباً مع 606 مليار دولار من الصادرات مقابل 370 مليار دولار من الواردات! بعض القادة الأوروبيين يصفون قرارات ترامب بهجوم أو بعدوان تجاري أميركي على أوروبا، يستوجب الرد الأوروبي.

وحزمة الردود الأوروبية هي في طور التحضير وسيتمّ الاعلان عنها تباعاً. وهي ستصيب بشكل كبير قطاع التواصل الدولي مثل غوغل وميتا ومايكروسوفت... ومعظم القطاعات التكنولوجية.

وإذا كان الرئيس ترامب على حق بلغة الأرقام، وبالاختلال العجزي في الميزان التجاري، إلا إن الأرقام لا يمكن «قلبها» بقرار، ولو كان «إمبراطورياً»! فالتبادل التجاري يعتمد أيضاً على الحاجات وعلى القدرات الشرائية وعلى القدرات الاستهلاكية من بين عناصر أخرى. والحاجات مختلفة. ولا يمكن فرض بيع السيارات الاميركية في الأسواق الأوروبية والصينية واليابانية على سبيل المثال!

لا شك أن قرار زيادة الرسوم الجمركية الأميركية من جانب واحد، ومن دون حليف لها، يؤدي الى تغيير النظام العالمي السياسي قبل تغيير الأنظمة الاقتصادية العالمية. ويؤدي الى تغيير منظمة التجارة الدولية وأسس وفلسفات الاقتصاد الحر!
 
وينهي «يوم التحرير» النموذج السياسي الذي شهده العالم ما بعد الحرب العالمية الثانية من معسكر غربي في مواجهة معسكر شرقي. لا بل يعيد خلط الأوراق السياسية في العالم.

يعطي  «يوم التحرير» ذريعة للكثيرين لقيام جبهات سياسية - اقتصادية قادرة على لجم النفوذ الأميركي في العالم، انطلاقاً من تجمع البريكس أو الاتحاد الأوروبي، لاستبدال التبادل الاقتصادي بين كل منهما  وبين الولايات المتحدة الى تعزيز التبادل التجاري والاقتصادي بينهما.

ولا شك أن العالم بدأ يتطلع للخروج من نظام السويفت والدولار ولإيجاد بدائل له. وما يعتبره الرئيس ترامب بداية استقلال للاقتصاد الأميركي قد يتحول الى بداية استقلال عالمي من الدولار الأميركي.

روسيا لا تتأثر كثيراً بضرائب ترامب، بحكم أنها كانت قد تكيفت مع مقاطعة أوروبا والولايات المتحدة لسلعها! لا بل إنها قد تستفيد منها عند توقيع السلام برفع أسعار الغاز الروسي عند عودة ضخه «الضرورية» الى أوروبا الغربية!

يسيء الرئيس ترامب في تقدير قدرة التحمل الانسانية للمواطنين في العالم. فالمواطن الأميركي وخلفه الأوروبي، المعتادان على «الغنج»، هما الأقل قدرة على التحمل في الأزمات، على الرغم من قدرات البلدان الاقتصادية التي ينتمون إليها. في حين أن المواطن الروسي أو الصيني أو المكسيكي، فهو أكثر قدرة بكثير على التكيف مع الظروف الصعبة ومع قساوتها.

ما يعني أن عملية «لي الأذرع» يمكن أن تتحول الى تحركات شعبية داخلية أميركية كبيرة مضادة للسياسة الرئاسية الأميركية إذا ما تأذت بعض القطاعات الكبرى، التي لن تستفيد مباشرة من زيادة المداخيل في الخزينة الوطنية!

وقد يكون من المستغرب هو وصول الأمور بترامب الى فرض رسوم على بريطانيا، وهي أقرب حلفائه! على الرغم من أنه أهداها « Discount» بسقف لم يتجاوز 10٪ من الضرائب.

في حين أن فرنسا قد تواجه ضعف الضرائب البريطانية! وستتأثر أسواق سلعها الفاخرة من هوت كوتور، وماركات اللوكس في الألبسة والعطور والشمبانيا والنبيذ والأجبان والمنتجات الاستشفائية والأدوية... وغيرها.

«يا عنتر مين عنترك. عنترت حالي وما حدا ردني!» هذا التوصيف الشعبي يعطي قرار الرئيس ترامب أفكاراً بردود دولية جماعية. فقرار ترامب قد يكون أنعش الاتحاد الأوروبي ليأخذ مواقف أكثر «أوروبية»!

فهل ينتفض الاتحاد الأوروبي ويخرج من تحت العباءة الأميركية؟ وعندها هل يطرح مصير حلف الأطلسي؟

الأطلسي الذي كان مجتمعاً على مستوى الوزراء البارحة، مع مطالبة الوزير الأميركي مارك روبيو الأوروبيين «كالعادة» بزيادة أكبر من حصصهم في التمويل»!

وإذا كان الرئيس ترامب قد ألمح في السابق الى إمكانية الخروج من الناتو بسبب مشاكل التمويل، فإن الأوروبيين الذين تمّ تهميشهم في قضايا الشرق الأوسط والحرب الروسية الاوكرانية، بسبب تردد مواقفهم، قد يعيدون النظر في دورهم الأوروبي والدولي!

لماذا الناتو؟ وضد من؟ إذا كان الرئيس ترامب قد ذهب من دونه للتفاوض وللصلح مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين! وذهب من دونه لدعم اسرائيل في الشرق الأوسط، وللتحضير لضرب إيران ضربة عسكرية كبيرة؟!

سيُواجه الرئيس ترامب، بالإضافة الى الردود الخارجية، بمواقف داخلية في صفوف الحزب الجمهوري نفسه بالإضافة الى المعارضة القوية من الحزب الديمقراطي. ولكن ترامب يتحرك بحرية المتحرر من ضغوط تجديد الولاية، بحكم أنه في ولايته الثانية والأخيرة.

ومع ذلك، فإن ميزة الرئيس ترامب الأساسية هي قدرته على التفاوض، وصولاً الى التراجع عما قد يراه سيئاً.

وأكثر الأمور سوءاً هو الاعتقاد أن إدارة الدول هي عبارة عن أرقام ونمو متزايد وارتفاع في أسهم «وهمية» وتفوق اقتصادي... في غياب أهمية العنصر البشري - الانساني. هذا العنصر الذي يستطيع في كل لحظة الانتفاض ضد ما يعتبره ظلماً بحقه.

ليست الصين والاتحاد الأوروبي أو حتى كندا والمكسيك... خصوماً ضعفاء «بالمفرق»! ولكن ماذا لو قرروا المواجهة... «بالجملة»؟!

هل يستطيع الرئيس ترامب الاستمرار في خطته؟! وهل هو يخدم بذلك زعامة الولايات المتحدة للعالم أم أنه يقوضها؟! وهل يستطيع الرئيس الأميركي اللاحق لترامب الاستمرار في السياسات نفسها أم يعود الى سياسات أكثر «كلاسيكية»؟!

الزلزال قد وقع! أما الآن فيسشهد العالم نتائجه الكارثية الدولية على المدى المتوسط وارتداداته «الاهتزازية» الاميركية على المدى الطويل. وعالم الغد لن يشبه عالم اليوم!