القمة اللبنانية - القطرية أرست انطلاقة واعدة للعلاقات

القمة اللبنانية - القطرية أرست انطلاقة واعدة للعلاقات

image

الراي- عَكَسَتْ المتابعةُ «الطارئةُ» لرئيس الجمهورية العماد جوزف عون، ومن الدوحة التي كان يزورها، لقضية خلية التخريب التي ضبطتْها السلطات في الأردن ورُبطت «بلاد الأرز» بها عبر كشْفِ تلقّي عناصر منها تدريبات في لبنان، الطابعَ الخطيرَ لهذه القضية في الوقت الذي أطلقتْ بيروت ورشةً لاستعادة الدولة سيطرتها على كامل أراضيها بقواها الشرعية وحدها وسَحْبِ سلاح «حزب الله» وتالياً النأي بالوطن الصغير عن أن يكون متأثِّراً بأي صراعات في الإقليم أو مؤثّراً فيها من بابِ أدوار عابرة للحدود – تحت أي عنوان – أو تزعزع استقرار أي دولة عربية أو غربية.

وفي حين اكتسبتْ محادثاتُ عون مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أهميةً بالغةً في إطار تثبيت «لبنان الجديد» مسيرةَ العودة إلى الحضن العربي والحرص على القيام بما يلزم لـ «عودة العرب إلى لبنان»، فإن المخططَ التخريبي الذي أحبطه الأردن وتم توجيه اتهامات في سياقه أمس إلى الموقوفين الـ 16 بـ «تصنيع أسلحة بقصد استخدامها على وجه غير مشروع» و«القيام بأعمال من شأنها الإخلال بالنظام العام (...)» استناداً إلى قانون منع الإرهاب، حلّ وقْعُهُ صاعقاً على بيروت رغم اندفاعتها البارزة عبر رئيس الجمهورية وقبله رئيس الوزراء نواف سلام إلى مخاطبة عمان والإيعاز بالتنسيق مع سلطاتها والتعاون الأقصى لكشْف كل الملابسات.

وإذ وجد لبنان نفسها مُحْرَجَاً لكونه شكّل «مسرحاً» لهذا المخطّط ولو في الشقّ التدريبي كما أُعلن حتى الساعة، بما يكشف فداحة الأضرار الناجمة عن تحوُّله في الأعوام الماضية بمثابة ساحةٍ لـ «تصديرِ» اللا استقرار إلى أكثر من دولة، وعلى أكثر من صعيد، ربطاً بالقضية الفلسطينية ولاعبيها المتعددين والمتناقضين وتَشابُكها مع مشروع التمدد الإيراني في المنطقة، فإنّ هذا الملف يُفترض في وَجْهِه الآخَر أن «يحفّزَ» العهد الجديد الذي رَفَعَ شعارَ بناء الدولة واحتكارها حَمْلَ السلاح وامتلاكها قرار الحرب والسلم وبسْط سيادتها على كامل أراضيها، بما في ذلك داخل المخيمات الفلسطينية، على المضيّ بهذا المسار الذي يحظى بمتابعة حثيثة عربياً ودولياً وصار مُلازِماً لأي دعْمٍ لـ «بلاد الأرز» لإعادة إعمار ما هدّمته، وما تزال، الحرب الاسرائيلية والنهوض من الكبوة المالية.

«خلية الأردن»

وقد تابع لبنان أمس على خطين متوازييْن هذه القضية:

- الأول تولاه عون الذي أجرى اتصالاً بالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، للاطلاع منه على نتائج التحقيقات في خلية تصنيع الصواريخ التي تم الكشف عنها، وأبدى كامل استعداده للتنسيق والتعاون بين البلدين، بالتوازي مع إيعازه إلى وزير العدل عادل نصار التنسيق مع نظيره الأردني في شأن التحقيقات وتَبادُل المعلومات بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والقضائية.

- والثاني بدء التحريات الأمنية لجهة أين تدرّب أفراد من الخلية في لبنان، هل داخل مخيمات فلسطينية أو في جنوب لبنان أو البقاع، وسط تقارير عن أن بيروت لم تكن تسلّمت قبل كشف الخلية وإحباط مخططاتها طلباتٍ من السلطات الأردنية وأنها كانت تنتظر تلقي معلومات عبر القنوات الرسمية للتعاون الكامل.


وإذ نُقل عن مصادر لبنانية أن توقيفاتٍ حصلت لعناصر من «حماس» في مخيمات فلسطينية في الجنوب والشمال، أفادت تقارير في بيروت أن هذه التوقيفات لا علاقة لها بخلية الأردن بل ترتبط بقضية الصواريخ اللقيطة التي أطلقت مرتين من جنوب لبنان على شمال اسرائيل.

وفي وقت أبلغت مصادر عسكرية لقناة «الحدث» أن «الجيش اللبناني لن يسمح بالتلاعب بأمن الجنوب ولن يسمح بالمساهمة في تخريب الأردن أو أي من الدول العربية»، أورد موقع «النهار» الالكتروني مساءً «ان وزير العدل طلب من النيابة العام التمييزية التحرك بقضية (الخلية الإرهابية) في الأردن».

إشادة قطرية بالعلاقات

ولم يحجب هذا العنوان الأنظار عن زيارة عون للدوحة، وهي الثانية له عربياً بعدما كان دشّن إطلالاته الخارجية من المملكة العربية السعودية، والتي أكد الشيخ تميم في ختامها «حرص الدوحة على الوقوف مع لبنان وشعبه ومؤازرته في تطلعاته للنهوض وتحقيق الازدهار والنماء المنشود».

وقال أمير قطر في تصريح «أجريت مباحثات مهمة مع الرئيس جوزف عون استعرضنا فيها سبل تطوير العلاقات الراسخة التي تجمع بلدينا وشعبينا الشقيقين، وهي علاقات اتسمت دائماً بالتعاون والتفاهم والاحترام المتبادل الذي يحقق المصالح والأهداف المشتركة في مختلف المجالات».

وكان مكتب الإعلام في الرئاسة اللبنانية أفاد بأن أمير قطر أشاد في مستهل الاجتماع الموسّع مع عون والوفد المرافق والذي أعقبته خلوة بين الزعيمين ثم مأدبة غداء «بأهمية هذه الزيارة لتطوير العلاقات اللبنانية -القطرية ولاسيما في الظروف الراهنة التي تمر بها المنطقة».

وقال «نرى الآن فرصة للاستقرار في لبنان وهناك عوامل عديدة داخية وخارجية من الممكن ان تساعد على تحقيق ذلك يجب استثمارها لما فيه مصلحة لبنان وشعبه».

وفيما أعرب عن استعداد قطر لتقديم ما يحتاجه لبنان لافتاً الى انها بادرت في اكثر من مجال «ويمكن ان يحدد لبنان حاجاته لتتمكن قطر من المساعدة في مختلف القطاعات»، أضاف: «مع وجود الرئيس عون والحكومة الجديدة من الممكن التنسيق وتفعيل العمل في مجالات عدة».

ولفت الشيخ تميم إلى أن بلاده جاهزة للمساعدة، لاسيما في مجالات الطاقة والكهرباء، وغيرها مما يحتاجه لبنان، مشدداً على «أهمية دور الجيش اللبناني» ومعتبراً انه المؤسسة الوطنية الجامعة التي يتحد حولها اللبنانيون وتحظى بمحبتهم جميعاً ولا بد من دعمها لتتحمل مسؤوليتها على أكثر من صعيد، ومؤكداً «أهمية المحافظة على الاستقرار في الداخل اللبناني والحؤول دون حصول اي انتكاسة تؤثر على السلم الأهلي».

من جهته، ثمّن عون الدعم الذي قدّمته وتقدمه دولة قطر للبنان خصوصاً لناحية المساعدات للجيش، وأكد «أن هناك بالفعل فرصة كبيرة ولبنان يعوّل على الدول العربية والخليجية خصوصاً للمساعدة وللعودة الى لبنان بعد انقطاع نتيجة الظروف التي كانت سائدة».

دور الجيش

ثم تطرق الحديث الى الوضع في الداخل اللبناني والتطورات الاخيرة في الجنوب، حيث أكد عون «أن الجيش يقوم بدوره كاملاً في الجنوب وكل المناطق التي انسحب منها الاسرائيليون ولكن بقاءهم في بعض التلال يعرقل انتشار الجيش اللبناني واستكمال مهامه».

وقال «ان الجيش يصادر الاسلحة التي يعثر عليها في الانفاق والمخابئ وغيرها من المواقع وهناك اتصالات تجرى لمعالجة موضوع السلاح انطلاقاً من الموقف الرسمي اللبناني القاضي بحصريته بيد الجيش ومختلف الاجهزة الامنية، لاسيما ان الجيش يقوم بواجباته كاملة في مختلف المناطق اللبنانية».

كما تناول البحث موضوع العلاقات اللبنانية-السورية، فكان تأكيد على «ضرورة المحافظة على الاستقرار على طول الحدود المشتركة والتنسيق بين البلدين». وعرض عون للشيخ تميم اجواء الاتصالات الاخيرة التي تمت بين وزيري الدفاع اللبناني والسوري والتنسيق القائم في هذا المجال، لافتاً الى زيارة رئيس الحكومة نواف سلام الاخيرة لدمشق ونقاط البحث التي دارت خلال لقاءاته.

وفي الختام، تم عرض آليات تفعيل العلاقات وتعزيزها في كل المجالات.

وأوضح تميم بن حمد أنه يتابع الأوضاع في لبنان، مكرّراً استعداد بلاده لمساعدته في كل ما يحتاجه لتحقيق عملية النهوض ودعم مسيرة الاستقرار والاصلاح وإعادة الإعمار.

أزمة دبلوماسية مع العراق!

وجاءت محادثات عون في الدوحة على وقع استعداداته للمضي في المسار الذي رسمه لحصر السلاح بيد الدولة، أي سحب سلاح «حزب الله»، عبر حوارٍ ثنائي تنفيذاً لما قال إنه «قرار اتُّخذ».

ولم يكن عابراً أمس ما بدا «نارين» عَلِقَ بينهما الحوار حول سلاح «حزب الله»:

- الأولى ملامح أزمة دبلوماسية مع العراق على خلفية إعلان عون قبيل انتقاله الى قطر في معرض إيضاحه كيفية سحب سلاح حزب الله أنه «لن يحصل أي استنساخ لتجربة الحشد الشعبي العراقية في لبنان، ولن يَجْري استحداثُ وحدةٍ مستقلّة من مقاتلي الحزب داخل الجيش اللبناني بل اندماجٌ للعناصر الذين تتوافر فيهم المواصفات، ويملكون الشهادات، وينجحون في الاختبارات التي تؤهلهم إلى دخول القوات المسلحة اللبنانية، تماماً كما حصل عند استيعاب مسلّحي أحزاب لبنانية شاركت في الحرب الأهلية مطلع تسعينات القرن الماضي».

وفي هذا الإطار استدعت الخارجية العراقية أمس السفير اللبناني لدى بغداد علي الحبحاب «للتعبير عن عدم ارتياحها لتصريحات الرئيس جوزف عون في شأن الحشد الشعبي».

وذكرت الخارجية العراقية في بيان أن «وكيل الوزارة لشؤون العلاقات الثنائية السفير محمد بحر العلوم، أبلغ السفير اللبناني تحفظ العراق على ما ورد في تصريحات الرئيس اللبناني لإحدى وسائل الإعلام، والتي تناول فيها الحشد الشعبي بطريقة غير مناسبة».

وأكد بحر العلوم، أن «الحشد الشعبي يُعد جزءاً مهماً من المنظومة الأمنية والعسكرية في العراق، وهو مؤسسة حكومية وقانونية، ولا يجوز استخدامها كمثال في سياق أزمة داخلية لا تخص العراق»، مضيفاً أن «العراق لم يتوانَ يوماً عن دعم لبنان في أصعب الظروف، ومن غير المناسب إقحامه في الخلافات الداخلية اللبنانية».

وأعرب عن أمله بأن «يُصار إلى تصويب هذه التصريحات من الرئاسة اللبنانية، بما يُساهم في تعزيز العلاقات الثنائية واحترام خصوصية كل دولة».

من جهته، عبّر السفير اللبناني عن «اعتزاز بلاده بعلاقات الأخوّة التي تربطها بالعراق»، مؤكداً أنه «سينقل موقف الخارجية العراقية إلى الرئيس اللبناني»، ومشيراً إلى أن «لبنان يُعوّل على دور العراق المحوري في دعم جهود إعادة الإعمار والبناء، إلى جانب الأشقاء العرب».

لغة «قطع اليد"

- و«النار» الثانية مواقف من «حزب الله» استعادت لغة «قطع اليد التي ستمتد الى سلاحنا»، وربْط بحث هذا السلاح بمناقشة استراتيجية دفاعية، وسط أسئلة حول هل يشكل هذا محاولةً لإيجاد إطار موسَّع «يبرّر» تجاه بيئة الحزب التخلي عن «السلاح الذي يعني المقاومة والعكس» أم في إطار بداية التفافٍ على ما بدأه رئيس الجمهورية وعودة إلى «قواعد قديمة» في اللعب على الكلام واستعادة تجارب حوارات سابقة عقيمة، علماً أن تساؤلات موازبة برزت حول المقصود من توازٍ ضمني بات قائماً، أقله من حيث الطرح الرسمي، بين سحب السلاح واستراتيجية الأمن الوطني، وهل المقصود أن الحزب يسلّم سلاحه (ولا سيما الاستراتيجي) ثم الدولة تقرر ماذا ستفعل به وبعناصره، أم أن حزب الله شريك في بحث وربما وضع إستراتيجية دفاعية يكون سلاحه في صلبها نقاشاً وثم تسليماً إذا «اقتنع»؟

وكان عضو المجلس السياسي في «حزب الله» محمود قماطي أوضح ما قصده بأن «اليد التي ستمتد إلى سلاحنا ستُقطع»، موضحاً أن هذا الكلام موجّه «للإسرائيلي والتكفيري ويهود الداخل»، ولافتاً إلى «أننا نتجاوب مع رئيس الجمهورية في مواقفه وسنتوجه للحوار حول الإستراتيجية الدفاعية عندما تصبح الظروف ملائمة ولم نتفق مع الرئيس عون بعد على جدول زمني للحوار حول السلاح، ولسنا في وارد الحوار عبر الإعلام حول الإستراتيجية الدفاعية والعدو ما زال في أرضنا».

ولم يقلّ دلالة إعلان المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في بيان أن «المقاومة ضمانة بلد وسيادة وأي خطأ بموضوع المقاومة وسلاحها ووضعيتها يفجّر لبنان» وأن «اللحظة هي لحماية لبنان وتوظيف المقاومة والجيش بالاستراتيجية الدفاعية».

بخاري

في موازاة ذلك، أكد السفير السعودي في بيروت وليد بخاري «وقوف السعودية المستمر الى جانب لبنان ليحافظ على دوره التاريخي، كصلة وصل بين الشرق والغرب، وتقديم المساعدة له لإيجاد حلول تؤمن الاستقرار والسلم على أرضه لما فيه مصلحة جميع أبنائه».

وكان بخاري زار أمس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي للتهنئة بالأعياد، وكان لقاء تم خلاله البحث في آخر المستجدات على الصعيدين المحلي والإقليمي، لا سيما زيارة موفد المملكة الأمير يزيد بن فرحان المكلف بالملف اللبناني لبيروت للقاء المسؤولين.