سلاح المخيمات الفلسطينية إلى الواجهة: مرونة "فتح" وتغاضي خصومها

سلاح المخيمات الفلسطينية إلى الواجهة: مرونة "فتح" وتغاضي خصومها

image

سلاح المخيمات الفلسطينية إلى الواجهة: مرونة "فتح" وتغاضي خصومها
السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها من أعقد الملفات السياسية والأمنية في تاريخ لبنان

محمد علوش - المدن

قضية السلاح الفلسطيني في المخيمات اللبنانية من أكثر الملفات حساسية في لبنان، إذ ترتبط بتاريخ من الصراع الدموي والحرب الأهلية، وبتعقيدات الواقع السياسي اللبناني الفلسطيني. واليوم، تعود هذه المسألة إلى الواجهة بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان وقرار الدولة حصر السلاح بيدها، وقبل زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس المتوقعة خلال وقت قريب إلى بيروت. وبدأت أولى بوادر مقاربة سلاح المخيمات مع تسلم الجيش اللبناني مواقع عسكرية لتنظيمات فلسطينية خارج المخيمات، الأمر الذي يطرح تساؤلات جدية حول مستقبل السلاح الفلسطيني داخل المخيمات.

البدايات: ثورة وسلاح
ظهر السلاح الفلسطيني بشكل واضح في لبنان بعد نكسة حزيران 1967، عندما انتقل مركز الثقل للعمل الفدائي الفلسطيني من الداخل المحتل والأردن إلى الساحة اللبنانية، خصوصاً بعد توقيع اتفاق القاهرة عام 1969 بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة اللبنانية في عهد الرئيس شارل حلو، بوساطة مصرية.

أعطى هذا الاتفاق الفصائل الفلسطينية حق حمل السلاح والتنظيم داخل المخيمات الفلسطينية، وشبه استقلال ذاتي عن الدولة اللبنانية، مما حول المخيمات إلى مناطق خارجة جزئياً عن السيادة اللبنانية، ومراكز للعمل الفدائي ضد إسرائيل.
خلال الحرب الأهلية في لبنان، تحوّلت بعض الفصائل الفلسطينية إلى لاعب رئيسي على الساحة اللبنانية، وتحالفت مع قوى محلية ضد أطراف أخرى، وقد أدى ذلك إلى استفحال ظاهرة السلاح الفلسطيني، وإلى احتكاكات دموية بين الفلسطينيين واللبنانيين، استمر بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.
بعد الخروج الفلسطيني الكبير من بيروت إثر الاجتياح، تراجع الوجود العسكري الفلسطيني المنظم، لكن بقي السلاح موجوداً بشكل غير رسمي داخل بعض المخيمات، تحت عنوان "حق الدفاع عن النفس"، وبقيت بعض الفصائل، خصوصًا القوى الإسلامية لاحقاً، تحتفظ بسلاحها، وهو ما أدى لنشوء صراعات مسلحة بين هذه التنظيمات انعكست دماراً وخراباً على الفلسطينيين واللبنانيين.

اتفاق الطائف وحصرية السلاح
أكد اتفاق الطائف عام 1989 على مبدأ "حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية"، لكنه استثنى ضمنياً سلاح المقاومة، والسلاح الفلسطيني داخل المخيمات، فبقيت المخيمات إلى حد بعيد مناطق خارج السيطرة المباشرة للجيش اللبناني، رغم محاولات عدة جرت بعد الطائف لضبط السلاح الفلسطيني، أبرزها في عهد الرئيس رفيق الحريري، لكن تعقيدات الملف الأمني والاقليمي حالت دون حله جذرياً.

مؤخراً، أعلن مسؤولون لبنانيون بوضوح أن السلاح الفلسطيني "خارج المخيمات" مرفوض بالكامل، ويجب حصر أي نشاط أمني بيد الشرعية اللبنانية وحدها، مع تفاهمات خاصة تراعي خصوصية الأوضاع الإنسانية داخل المخيمات. وفي ظل المشهد الإقليمي المعقد، يبدو أن إنهاء ظاهرة السلاح الفلسطيني بشكل كامل أمر غير سهل. بعض القوى الفلسطينية، خصوصاً خارج إطار منظمة التحرير، ترفض تسليم سلاحها لأسباب عقائدية وأمنية.
ومع ذلك، فإن التحولات الإقليمية، وتراجع دور الفصائل الفلسطينية العسكرية في لبنان، وتنامي الدور الأمني للجيش اللبناني، كلها عوامل قد تدفع تدريجيًا نحو إنهاء وجود السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وتنظيم الوضع الأمني داخل المخيمات بالتعاون مع الفصائل الشرعية، والحدّ من ظاهرة السلاح المتفلت والجماعات الصغيرة غير المنضبطة، وهذا ما تعول عليه الدولة اللبنانية خلال زيارة الرئيس الفلسطيني المرتقبة إلى بيروت، تقول مصادر سياسية متابعة.

أبو مازن ملتزم... هل يمثل الجميع؟
تُشير المصادر عبر "المدن" إلى أن قرار الدولة اللبنانية بمعالجة مسألة سلاح المخيمات الفلسطينية قد اتّخذ بعد انتخاب الرئيس جوزاف عون، وقد وصل القرار إلى السلطة الفلسطينية ورئيسها أبو مازن الذي يُفترض أن يزور لبنان في النصف الثاني من شهر أيار المقبل، وبالتالي سيكون ملف السلاح أحد أهم البنود على جدول أعمال الزيارة. وتؤكد أن السلطة الفلسطينية أرسلت إشارات إيجابية إلى عون بخصوص نيتها التعاون الكامل مع لبنان لتحقيق الهدف.

ولكن تكشف المصادر أن ما يُثير قلق المسؤولين اللبنانيين هو عدم قدرة أبو مازن على تمثيل كل الفصائل الفلسطينية المسلحة في لبنان، فالرجل "يمون" على حركة فتح، أما سائر الفصائل والمنظمات، كحركة حماس والجهاد الإسلامي والتنظيمات الإسلامية المتشددة، فالعلاقة معهم غير سوّية. وتشير إلى أن هذه القوى لم تكشف عن موقفها بعد بشأن السلاح، وهذا ما يجعل قرار السلطة الفلسطينية غير كافٍ لوحده، مع العلم أن حركة فتح أبدت استعدادها لحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية على أن يسري القرار على كل القوى المسلحة في المخيمات لكي لا تتحول إلى "فريسة" القوى والتنظيمات الأخرى، وهذا ما سيشدد عليه الرئيس الفلسطيني عندما يزور بيروت.

يُدرك رئيس الجمهورية أن ملف سلاح المخيمات معقد للغاية ويرتبط بقوى خارجية، لكنه بحسب المصادر، مصمّم على إيجاد الحل المناسب بشأنه، وازدادت قناعته بعد تورط فلسطينيين بمسألة إطلاق الصواريخ من الجنوب وتوريط لبنان بردة فعل إسرائيلية كبيرة، مشيرة إلى أن عون على توافق مع الثنائي الشيعي حول هذا الموضوع، ويسعى لإطلاق العمل رسمياً به عبر التعاون مع السلطة الفلسطينية، كاشفة أن إنهاء السلاح في المخيمات ورد ضمن المطالب أو الشروط الدولية المفروضة على لبنان.
لا تنفي المصادر ولا تؤكد وجود رسائل دولية وصلت إلى بيروت تشير إلى نية العدو الإسرائيلي استهداف المخيمات بحال لم يتم إيجاد حلول لمسألة السلاح، مكتفية بالقول أن هذا السلاح يشكل خطراً على اللبنانيين والفلسطينيين ولا يشكل خطراً على إسرائيل، والدليل ما شهدته المخيمات من معارك مسلحة آخرها ما حصل في عين الحلوة منذ أشهر.
ملف السلاح الفلسطيني في لبنان يتطلب مقاربة حكيمة، توازن بين ضرورات السيادة اللبنانية وحقوق اللاجئين الفلسطينيين. ونجاح أي حل منطلقه الحوار السياسي برعاية عربية ودولية، لتفكيك أحد أكثر الملفات تعقيداً في تاريخ لبنان الحديث.