"أشواك لا تزال تؤلم": "دربي مدريد" جديرٌ ومواجهة سامة

"أشواك لا تزال تؤلم": "دربي مدريد" جديرٌ ومواجهة سامة

image

 ديرموت كوريغان- نيويورك تايمز
«مطلوبٌ خصمٌ حقيقيٌ لدربيٍ جدير»، كان هذا نصّ لافتة رفعها مشجّعو ريال مدريد قبل مباراة أتلتيكو مدريد في ملعب «سانتياغو برنابيو» في تشرين الثاني 2011. في وقت كان أتلتيكو قد قضى أكثر من 13 عاماً و25 مباراة من دون تحقيق أي انتصار في الـ»دربي» أمام جاره الأغنى والأكثر قوة تاريخياً في العاصمة الإسبانية.
يومذاك، تقدّم الضيوف 1-0، لكنّ الحارس تيبو كورتوا طُرِد بعد فترة وجيزة، وانتهت المباراة بفوز ريال مدريد 4-1، ممّا جعل إجمالي دقائق الدربي التي شهدت خيبات متكرّرة لأحد الفريقَين وانتصارات متوقعة للآخر يتجاوز 5000 دقيقة.

تغيّر السيناريو في نهائي كأس الملك في ملعب «برنابيو»، عندما صدم فريق دييغو سيميوني مستضيفيه بالفوز 2-1 في الوقت الإضافي. زاد الفوز حلاوة لمشجّعي أتلتيكو عندما تسلّم قائدهم غابي كأس البطولة من ملك إسبانيا خوان كارلوس، المعروف بدعمه لريال مدريد.
مذذاك، أصبح السجل أكثر توازناً. فباحتساب مواجهات كأس السوبر الإسباني وكأس السوبر الأوروبي، شهدنا 41 دربي: 15 فوزاً لريال مدريد، 15 تعادلاً، و11 انتصاراً لأتلتيكو.

وقد أصبحت المواجهات الأخيرة شديدة التنافسية - انتهت آخر 3 دربيات بالتعادل 1-1، بما في ذلك اللقاء الأخير في الدوري مطلع شباط في «برنابيو». ومع توازن القوى على أرض الملعب، أصبحت المنافسة خارج المستطيل الأخضر أكثر توتّراً وإثارة للجدل.

تحوّلت النظرة المتعالية السابقة لمشجّعي ريال - وأحياناً لاعبيهم ومدربيهم وإداريّيهم - إلى شعور بضرورة إبقاء جيرانهم في مكانتهم التقليدية المتدنّية، في تصوّرهم.

في المقابل، عزّز أتلتيكو إحساسه الجديد بالثقة بالنفس، لكنّ ذلك صاحبه بعض التصرّفات المُخزِية بل والإجرامية من قِبل بعض أفراد ألتراس الفريق الأكثر تطرّفاً (وهي أفعال تُدان عادة من معظم أفراد مجتمع أتلتيكو).

كل هذا خلق أجواءً من التوتر المتزايد والترقب الكبير في العاصمة الإسبانية قبل مباراة الذهاب في ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا الليلة في «برنابيو»، ومواجهة الإياب في ملعب «ميتروبوليتانو» الأربعاء 12 آذار.

أصل الدربي وتشكيل الهوية
المواجهة الأولى بين الفريقَين في الدوري عام 1929 انتهت بفوز ريال، وسجّل الهدفَين لاعب أتلتيكو السابق مونشين تريانا. لكنّ فكرة الدربي كمواجهة بين النخبة الأرستقراطية في المدينة ضدّ الطبقة الكادحة لم تترسخ سوى بعد عقود.

أصبح ريال القوة المهيمنة في العاصمة الإسبانية في منتصف القرن الـ20، عندما بنى الرئيس سانتياغو برنابيو فريقاً يعجّ بالنجوم مثل ألفريدو دي ستيفانو وفيرينتس بوشكاش، محققاً 5 ألقاب متتالية في دوري الأبطال من 1956 إلى 1960.
مع ازدياد الرفاهية في المنطقة المحيطة بملعب «برنابيو» شمال المدينة، وتحوّل الفريق إلى قوة مسيطرة محلياً، أصبحت الشرفة المخصّصة لكبار الشخصيات في الاستاد ملتقى لرجال الأعمال، السياسيِّين والقادة الاجتماعيِّين في إسبانيا.

في المقابل، كان مشجّعو أتلتيكو غالباً ما ينحدرون من المناطق العمالية، خصوصاً تلك القريبة من ملعب «فيسنتي كالديرون» القديم جنوب وسط مدريد. ونمت لديهم عقلية «المُستضعف»، لا سيما في الثمانينات والتسعينات، تحت رئاسة خيسوس جيل إي جيل المثير للجدل، وهو رجل أعمال عصامي دخل عالم السياسة وقضى لاحقاً فترة في السجن.

على رغم من أنّ الناديَين كانا يعملان على مستويات مختلفة من ناحية الموارد المالية والموهبة، إلّا أنّ المدينة كانت دائماً منقسمة بين مشجّعي الفريقَين، ممّا جعل الدربي أكثر أهمية محلياً من الـ»كلاسيكو» أمام برشلونة.

عصر بيريز وهيمنة ريال الحديثة
تحت قيادة الرئيس الحالي فلورنتينو بيريز، قفز ريال إلى مستويات أخرى منذ عام 2000 - ضمّ نجوماً عالميِّين مثل زين الدين زيدان، رونالدو نازاريو، وديفيد بيكهام في فترته الأولى، ولاحقاً كريستيانو رونالدو، جود بيلينغهام وكيليان مبابي.
يؤكّد المدير التنفيذي لريال، خوسيه أنخيل سانشيز: «نحن أشبه بفيلم ضخم الإنتاج، مثل (Men in Black) - أو في حالتنا (Men in White). لدينا قصة رائعة لنرويها، وإنتاج ضخم، وأكبر نجوم الشباك».
في المقابل، عانى أتلتيكو من الديون والهبوط إلى الدرجة الثانية في بعض الفترات، لكنّ الدربي كان دائماً فرصة لهم لإثبات الذات أمام الجار الثري.


لحظات مجد وضياع في أوروبا
خلال عهد سيميوني، أصبح أتلتيكو خصماً حقيقياً لريال، ووصل إلى نهائي دوري الأبطال مرّتَين. في 2014، كان الفريق على بُعد ثوانٍ من الفوز قبل أن يسجّل سيرخيو راموس هدف التعادل في الدقيقة 90+3، ويفوز ريال 4-1 في الوقت الإضافي.

عام 2016، إقترب أتلتيكو أكثر، لكنّ المباراة انتهت 1-1 بعد الوقت الإضافي، وخسر الفريق بركلات الترجيح بعدما أضاع خوانفران، الذي نشأ في أكاديمية ريال، ركلة حاسمة.

التوتر المتزايد بين الفريقَين
مع تزايد مكانة أتلتيكو، أصبحت العلاقة أكثر توتراً، خصوصاً مع اتهامات مدريد بمحاولة استقطاب مواهب شابة من أكاديمية أتلتيكو.
كما كان انتقال تيبو كورتوا إلى ريال مدريد عام 2018 مثيراً للجدل، إذ تعرّض إلى حملة عدائية من جماهير أتلتيكو، وبلغ الغضب ذروته عندما أُلقِيَت عليه مقذوفات من مدرجات «ميتروبوليتانو» في تشرين الأول الماضي، ممّا أدّى إلى تعليق المباراة لمدة 20 دقيقة.

لكنّ أسوأ الأحداث كان الهجوم العنصري على فينيسيوس جونيور قبل وأثناء وبعد مباراة أيلول 2022 في ملعب أتلتيكو، ثم تعليق دمية على هيئة فينيسيوس على جسر بالقرب من تدريبات ريال.

أخيراً، تصاعد الجدل حول قرارات التحكيم، إذ ادّعى مدرب ريال مدريد كارلو أنشيلوتي أنّ التحكيم يتحيّز ضدّ فريقه، بينما ردّ سيميوني ساخراً بأنّ هناك «100 عام من القرارات» التي صبّت في صالح ريال مدريد.

يستعد المشجّعون الآن لرفع اللافتات والتيفوهات خلال المواجهتَين المقبلتَين، إذ ستواصل هذه العداوة الطويلة تأجيج شغف كرة القدم في العاصمة الإسبانية. ومهما كانت نتيجة هذا الفصل الجديد من أقدم منافسات كرة القدم الإسبانية، فإنّ الجدل والتوتر لن يتوقفا قريباً.