بين اللعب في الطرقات ودخول زواريب السياسية... أين مصلحة الاطفال؟
البيئة أساس التصرف ويجب التمييز بين التوعية والانخراط الحزبي
سيرينا الحداد – "أخبار اليوم"
تقول ريمي بندلي في أغنيتها الشهيرة التي صدرت في العام 1984"عطونا الطفولة"، هذه العبارة آنذاك كانت تمثل معاناة أطفال لبنان جراء الحرب التي ليس لهم أي علاقة بها. أما الآن فأصبحت "الحرب على الطفولة بحلة أخرى"، اذ هناك ما يشبه سياسة ممنهجة للتأثير على عقول الأولاد أو اشراكهم بالحياة السياسية أو بأجوائها.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، دخول حفيدة الرئيس الميركي دونالد ترامب الى مكتبه في البيت الأبيض، كذلك ايلون ماسك مع ابنه في المكان ذاته. أو محليًا، رصدت الكاميرات في الأيام الماضية وجود عدد كبير من الاولاد ما دون سن الـ 15 خلال تشييع الامينين العامين لحزب الله السيد حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، هذا الى جانب التسجيلات لاطفال على مواقع التواصل الاجتماعي ضمن اطار حملة الحث على التوجه الى المدينة الرياضية للمشاركة في التشييع.
فهل أصبح رجال السياسة والمعنيون بالأمور السياسية يعتمدون على تقنية جديدة لتوصيل رسائلهم وهي وضع أولادهم في الواجهة كون هذه الفئة العمرية ترمز البراءة، وتلامس الوتر الحساس عند الناس وصولا الى ما يقال بالعامية"بلوّي القلب"؟ وهل هذه الممارسات تؤدي الى تأثيرات سلبية على مستقبل الاطفال؟
الدكتورة في الصحة النفسية والإرشاد الأسري سليمة وهبة، ترى في حديث الى وكالة "أخبار اليوم" أن "العمل السياسي للأطفال" قضية مثيرة للجدل والتساؤلات حول ما إذا كان ذلك يُعتبر استغلالًا لبراءتهم وطبيعتهم الطفولية.
وتضيف: في الغالب، يُنظر إلى مشاركة الأطفال في السياسة بشكل مباشر على أنها استغلال لحقوقهم الطفولية، خصوصًا إذا كانت المشاركة تتم بشكل قسري أو تُستخدم لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية دون أخذ مصالح الطفل بالاعتبار.
وتتابع وهبة: هناك عدة جوانب لهذه العملية:
أولًا: الجانب السلبي المتمثل بالإجهاد النفسي والعاطفي، حيث ان مشاركة الأطفال في السياسة قد تعرضهم لضغوطات هائلة تجعلهم يعانون من القلق والتوتر، مما يؤثر على نموهم النفسي والعاطفي بشكل سلبي،
ثانيًا: التأثيرات السلبية على التعليم بحيث هذه المشاركات المفرطة تؤدي إلى تراجع في تحصيله الدراسي وفقدان فرصة التعليم الجيد.
ثالثًا: وهنا النقطة الأبرز وتتمثل بحرمانهم من الطفولة، فقد يتعرض الأطفال الذين يُجبرون على العمل السياسي لحرمان من التجارب الطفولية الأساسية مثل اللعب والتفاعل الاجتماعي غير المرتبط بالمسؤوليات، وبالتالي هذا التأثير قد يؤدي الى الاصابة بصدمات نفسية تمتد لفترات طويلة نتيجة التعرض المبكر للسياسة القاسية أو العنف السياسي.
من جهة اخرى، وعلى رغم حساسية هذا الموضوع ودقّته، تشير وهبة الى وجود التأثير الايجابي لاشراك الأطفال في السياسة، ولكن الامر مرتبط بعوامل تعتمد على البيئة التي ينشأ فيها الطفل، حيث يجب التركيز على تنمية الوعي الاجتماعي والسياسي ما يعزز الشعور بالمسؤولية، اضافة الى تعزيز مهارات القيادة والتواصل، والمقصود هنا ان يشارك الطلاب في انتخابات مدرسية فيكتسب الولد من خلال هذه العملية شعور بمسؤولية لجهة ابداء رأيه والتأثير في ما يجري حوله. وبالتالي إذا تم إشراك الأطفال بشكل مدروس في السياسة، قد يشعرون بالإحساس بالتمكين والمساهمة في التغيير الاجتماعي.
وتختم وهبة قائلة: يجب أن يعيش الاولاد حياتهم ومراهقتهم بعيدًا من مصالح الكبار بعيدًا من أي استغلال أو قسوة ، لضمان نموهم السليم وتطورهم الطبيعي.
اذًا، نوعية وطريقة مشاركة الطفل في الحياة السياسية هي الأساس، اذ يجب التركيز على التوعية السياسية الاجتماعي وليس الانخراط الحزبي، بما يحول دون التأثير على عاطفتهم ومستقبلهم...
أخيرا لا بد من التذكير بما قاله كتب جبران خليل جبران قبل أكثر من مائة عام...
"أولادكم ليسوا لكم ، أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم، ولكن ليس منكم.
ومع أنهم يعيشون معكم، فهم ليسوا ملكاً لكم. أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم، ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم، لأن لهم أفكارأً خاصةً بهم."...