ليونة حزب الله التي تحدث عنها رئيس الجمهورية تفتح الباب أمام تفاهم وطني شامل
لبنان أمام مرحلة جديدة من الشراكة والتفاهم: فرص الإصلاح في ظل توافق غير مسبوق
داود رمال – "اخبار اليوم"
يبدو أن لبنان يخطو نحو مرحلة سياسية مختلفة، عنوانها الأبرز الشراكة الفعلية بين السلطات الدستورية والتفاهم على الملفات الكبرى التي كانت، حتى وقت قريب، مصدراً دائماً للتجاذب والانقسام. ففي خضم التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تعصف بالبلاد، تأتي مواقف رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون لتشكل انعكاساً لمناخ سياسي جديد، يُبنى على التنسيق، لا الصدام، وعلى النيات الصافية، لا الحسابات الضيقة.
المؤشرات المتاحة حتى الآن توحي بأن البلاد أمام تجربة حكم قد تكون مختلفة في نهجها وفي نتائجها، خاصة أن رئيس الجمهورية وضع الإطار العام لهذه المرحلة عبر تأكيده إجراء الانتخابات البلدية في مواعيدها، ما يعكس تمسك الدولة بدينامية الحياة الدستورية والتمثيل المحلي، في وقت تحتاج فيه الشرعية الشعبية إلى التجديد، والثقة العامة إلى إعادة البناء من القاعدة. فإجراء الانتخابات في موعدها لا يحمل فقط دلالة قانونية أو تقنية، بل هو أيضاً رسالة سياسية، تعكس رغبة في تحصين الديمقراطية المحلية، وفتح المجال أمام تجديد النخب، وتعزيز المشاركة المدنية.
وما يعزز هذا التفاؤل هو العلاقة المستجدة بين الرئاستين الأولى والثالثة، والتي وصفها رئيس الجمهورية بالتناغم غير المسبوق، خصوصاً في ما يتعلق بالتعيينات وسير عمل المؤسسات. وهو ما يُعدّ تحولاً نوعياً في أسلوب إدارة الدولة، بعدما كانت الحكومات المتعاقبة تعاني من تعثر دائم بسبب تضارب الصلاحيات وتنازع الإرادات السياسية. ومن الواضح أن التفاهم الحاصل اليوم بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء نواف سلام يتجاوز الإطار البروتوكولي نحو التعاون الجوهري على صياغة القرارات والمراسيم والتعيينات، ما يفتح الباب أمام إمكان إنتاجية فعلية داخل مؤسسات الدولة.
خلال ستة أسابيع فقط، أنجزت الحكومة ملفات كانت في السابق تُعدّ شائكة أو مؤجلة إلى أجل غير مسمى، ما يعكس إرادة واضحة بالإصلاح والتحرك السريع. ولعلّ ما يدعو للتفاؤل حقاً هو أن هذا الإنجاز جاء في ظل انسجام سياسي، وليس رغم الانقسام، وهو أمر نادر في التجربة اللبنانية. فلبنان، ومنذ اتفاق الطائف، نادراً ما عرف فترات من الانسجام السياسي الكامل بين السلطات، وغالباً ما كان يدفع ثمن المحاصصة والتعطيل والفيتوهات المتبادلة. أما اليوم، فثمة مناخ يبدو أكثر استعداداً لتجاوز العقبات، وبناء منطق الدولة على أساس التعاون لا التنافس.
ولعلّ الملف الأكثر حساسية في هذا السياق يبقى ملف سلاح حزب الله، الذي لطالما شكل مادة خلافية بين اللبنانيين، وأحد أبرز العوائق أمام الاستقرار السياسي الشامل. لكن المفارقة أن رئيس الجمهورية أشار إلى تطور لافت في هذا الملف، متحدثاً عن ليونة أظهرها الحزب واستعداد للتعاون ضمن خطة زمنية معينة، بما يفتح المجال لنقاش عقلاني وهادئ حول سلاح المقاومة في إطار رؤية وطنية شاملة. فالإيجابية التي تحدث عنها الرئيس عون، إذا قوبلت بإيجابية مقابلة من مختلف الأطراف، يمكن أن تؤسس لمرحلة جديدة من التفاهم الداخلي حول القضايا الخلافية الكبرى، بدءاً من استراتيجية الدفاع الوطني، وصولاً إلى السلم الأهلي والاستقرار المؤسساتي.
إن لبنان أمام فرصة، لا يمكن اعتبارها نهائية أو مضمونة، لكنها حقيقية، لتغيير النمط القائم في إدارة الدولة، وتحويل لحظة التعاون هذه إلى نهج دائم، لا مجرد مرحلة عابرة. فالتفاهم بين القوى السياسية لا يعني الانصهار أو التنازل عن المبادئ، بل يعني إدراك الحاجة إلى إنقاذ بلد يحتضر على أكثر من صعيد، والانطلاق من الثوابت المشتركة لصياغة حلول عملية، لا شعارات فضفاضة.
هذه المرحلة تتطلب وعياً عالياً من جميع القوى، لأن أي تعثر فيها قد يعيد إنتاج الانقسام والفوضى. أما إذا جرى الحفاظ على هذا النسق التوافقي والبناء عليه، فقد يكون لبنان أمام بداية حقيقية لعملية إصلاح طال انتظارها، مدعومة بإرادة سياسية جديدة، وشراكة حقيقية، وتفهم وطني للواقع الجديد الذي تعيشه البلاد.